فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ذلك بما قدَّمت أيديكم}
أي: بما كسبتم من قبائح أعمالكم.
{وأنَّ الله ليس بظلام للعبيد} لا يظلم عباده بعقوبتهم على الكفر، وإن كان كفرهم بقضائه، لأنه مالكٌ، فله التصرف في ملكه كما يشاء، فيستحيل نسبة الظلم إليه. اهـ.

.قال القرطبي:

{ذلك} في موضع رفع؛ أي الأمر ذلك.
أو {ذلك} جزاؤكم.
{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} أي اكتسبتم من الآثام.
{وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} إذ قد أوضح السبيل وبعث الرسل، فلم خالفتم؟.
{وأنّ} في موضع خفض عطف على ما وإن شئت نصبت، بمعنى وبأنّ، وحذفت الباء، أو بمعنى: وذلك أن الله.
ويجوز أن يكون في موضع رفع نسقًا على ذلك. اهـ.

.قال الخازن:

{ذلك} يعني الذي نزل بكم من القتل والضرب والحريق {بما قدمت أيديكم} يعني إنما حصل لكم ذلك بسبب ما كسبت أيديكم من الكفر والمعاصي.
فإن قلت: اليد ليست محلًا للكفر وإنما محله القلب لأن الكفر اعتقاد والاعتقاد محله القلب وظاهر الآية يقتضي أن فاعل هذا الكفر هي اليد وذلك ممتنع.
قلت: اليد هنا عبارة عن القدرة لأن اليد آلة العمل والقدرة هي المؤثرة في العمل فاليد كناية عن القدرة.
قوله تعالى: {وأن الله ليس بظلام للعبيد} يعني أنه سبحانه وتعالى لا يعذر أحدًا من خلقه إلا بجرم اجترمه لأنه لا يظلم أحدًا من خلقه وإنما نفى الظلم عن نفسه مع أنه يعذب الكافر على كفره والعاصي على عصيانه لأنه يتصرف في ملكه كيف شاء ومن كان كذلك استحال نسبة الظلم إليه فلا يتوهم متوهم أنه سبحانه وتعالى مع خلقه كفر الكافر وتعذيبه عليه ظالم فلهذا قال الله سبحانه وتعالى: {وأن الله ليس بظلام للعبيد} لأنهم في ملكه وتحت قدرته فهو يتصرف فيهم كيف يشاء. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ذلك} أي ذلك العذاب وهو مبتدأ خبره {بما قدّمت أيديكم} {وأنّ الله} عطف على ما أي ذلك العذاب بسبب كفركم وبسبب أنّ الله لا يظلمكم إذ أنتم مستحقّون العذاب فتعذيبكم عدل منه وتقدّم تفسير هذه الجملة في أواخر سورة آل عمران. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ذلك} إشارةٌ إلى ما ذكر من الضرب والعذابِ، وما فيه من معنى البُعد للإشعار بكونهما في الغاية القاصيةِ من الهول والفظاعةِ، وهو مبتدأٌ خبرُه {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} أي ذلك الضربُ واقعٌ بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي، ومحلُّ أن في قوله: {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ} الرفعُ على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي والأمُر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنبٍ من قِبَلهم والتعبيرُ عن ذلك بنفي الظلمِ مع أن تعذيبَهم بغير ذنب ليس بظلم قطعًا على ما تقرر من قاعدة أهل السنة فضلًا عن كونه ظلمًا بالغًا قد مر تحقيقُه في سورة آل عمران، والجملُة اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ لمضمون ما قبلها، وأما ما قيل من أنها معطوفةْ على ما للدِلالة على أن سببيته مقيدةٌ بانضمامه إليه إذ لولاه لأمكن أن يعذبَهم بغير ذنوبِهم فليس (ذلك) بسديد لما أن إمكانَ تعذيبِه تعالى لعبيده بغير ذنب بل وقوعَه لا ينافي كونَ تعذيبِ هؤلاء الكفرةِ المعينة بسبب ذنوبِهم حتى يُحتاجَ إلى اعتبار عدمِه معه، نعم لو كان المدعى كونَ جميعِ تعذيباتِه تعالى بسبب ذنوب المعذبين لاحتيج إلى ذلك. اهـ.

.قال الألوسي:

{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)}
{ذلك} أي الضرب والعذاب اللذان هما هما وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} والباء للسببية، وتقديم الأيدي مجاز عن الكسب والفعل، أي ذلك واقع بسبب ما كسبتم من الكفر والمعاصي، وقوله سبحانه: {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ} قيل خبر مبتدأ محذوف، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبلها، أي والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده من غير ذنب من قبلهم، والتعبير عن ذلك بنفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم قطعًا على ما تقرر من قاعدة أهل السنة فضلًا عن كونه ظلمًا بالغًا لبيان كمال نزاهته تعالى بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه تعالى من الظلم.
وقال البيضاوي بيض الله غرة أحواله: هو عطف على {مَا} للدلالة على أن سببيته مقيدة بانضمامه إليه إذ لولاه لأمكن أن يعذبهم بغير ذنوبهم.
لا أن لا يعذبهم بذنوبهم، فإن ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعًا ولا عقلًا حتى ينتهض نفي الظلم سببًا للتعذيب وأراد بذلك الرد على الزمخشري عامله الله تعالى بعدله حيث جعل كلًا من الأمرين سببًا بناءً على مذهبه في وجوب الأصلح، فقوله: لا أن لا يعذبهم عطف على أن يعذبهم والمعنى أن سبب هذا القيد دفع احتمال أن يعذبهم بغير ذنوبهم لا احتمال أن لا يعذبهم بذنوبهم فإنه أمر حسن، وقوله للدلالة إلخ على معنى أن تعينه للسببية إنما يحصل بهذا القيد إذ بإمكان تعذيبهم بغير ذنب يحتمل أن يكون سبب التعذيب إرادة العذاب بلا ذنب، فحاصل معنى الآية أن عذابكم هذا إنما نشأ من ذنوبكم لا من شيء آخر.
فلا يرد عليه ما قيل: كون تعذيب الله تعالى للعباد بغير ذنب ظلمًا لا يوافق مذهب الجماعة، وما قيل: إن هذا يخالف ما في آل عمران من أن سببيته للعذاب من حيث أن نفي الظلم يستلزم العدل المقتضى إثابة المحسن ومعاقبة المسيء مدفوع بأن لنفي الظلم معنيين: أحدهما ما ذكر من إثابة المحسن إلخ، والآخر عدم التعذيب بلا ذنب وكل منهما يؤول إلى معنى العدل فلا تدافع بين كلاميه.
وأما جعله هناك سببًا وهنا قيدًا للسبب فلا يوجب التدافع أيضًا فإن المراد كما ذكرنا فيما قبل بالسبب الوسيلة المحضة وهو وسيلة سواء اعتبر سببًا مستقلًا أو قيدًا للسبب.
ولمولانا شيخ الإسلام في هذا المقام كلام لا يخفى عليك رده بعد الوقوف على ما ذكرنا.
وقد تقدم لك بسط الكلام فيه، ومن الناس من بين قول القاضي: للدلالة إلخ بقوله يريد أن سببية الذنوب للعذاب تتوقف على انتفاء الظلم منه تعالى فإنه لو جاز صدوره عنه سبحانه لأمكن أن يعذب عبيده بغير ذنوبهم.
فلا يصلح أن يكون الذنب سببًا للعذاب لا في هذه الصورة ولا في غيرها؛ ثم قال: فإن قلت: لا يلزم من هذا إلا نفي انحصار السبب للعذاب في الذنوب لا نفي سببيتها له والكلام فيه إذ يجوز أن يقع العذاب في الصورة المفروضة بسبب غير الذنوب، ولا ينافي هذا كونها سببًا له في غير هذه الصورة كما في أهل بدر.
فلا يتم التقريب.
قلت: السبب المفروض في الصورة المذكورة إن أوجب استحقاق العذاب يكون ذنبًا لا محالة.
والمفروض خلافه وإن لم يوجب فلا يتصور أن يكون سببًا إذ لا معنى لكون شيء سببًا إلا كونه مقتضيًا لاستحقاقه له فإذا انتفى هذا ينتفي ذلك، وبالجملة فمآل كون التعذيب من غير ذنب إلى كونه بدون السبب لانحصار السبب فيه انتهى.
ورد بأن قوله: وإن لم يوجب فلا يتوصر أن يكون سببًا ممنوع فإن السبب الموجب ما يكون مؤثرًا في حصول شيء سواء كان عن استحقاق أو لم يكن، ألا يرى أن الضرب بظلم والقتل كذلك سببان للإيلام والموت مع أنهما ليسا عن استحقاق، فاعتراض السائل واقع موقعه ولا يمكن التقصي عنه إلا بما قرر سابقًا من معنى الآية، فإن المقام مقام تعيين السببية وتخصيصها للذنوب وذلك لا يحصل إلا بنفي صدور العذاب بلا ذنب منه سبحانه وتعالى، ومن هنا علم أن قوله: وبالجملة إلخ ليس بسديد فإن مبناه كون الاستحقاق شرطًا للسببية وقد مر ما فيه مع ما فيه من المخالفة لكلام الاجلة من كون نفي الظلم سببًا آخر للتعذيب لأن سببية نفي الظلم موقوفة على إمكان إرادة التعذيب بلا ذنب وكونها سببًا للعذاب فكيف يكون مآل كون التعذيب بلا ذنب إلى كونه بدون السبب فتأمل فالمقام معترك الإفهام، ثم أن المراد في الآية نفى نفس الظلم وإنما كثر توزيعًا على الآحاد كأنه قيل: ليس بظالم لفلان ولا بظالم لفلان وهكذا فلما جمع هؤلاء عدل إلى ظلام لذلك، وجوز أن يكون إشارة إلى عظم العذاب على سبيل الكناية وذلك لأن الفعل يدل بظاهره على غاية الظلم إذا لم يتعلق بمستحقه فإذا صدر ممن هو أعدل العادلين دل على أنه استحق أشد العذاب لأنه أشد المسيئين.
قال في الكشف: وهذا أوفق للطائف كلام الله تعالى المجيد، وفيه وجوه أخر مر لك بعضها. اهـ.

.قال القاسمي:

{ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [51].
{ذَلِكَ} إشارة إلى ما ذكر من الضرب والعذاب {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} أي: ما كسبتم من الكفر والمعاصي {وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أي: بأن يأخذهم بلا جرم.
فإن قيل: ما سر التعبير بظلام بالمبالغة، مع أن نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته، ونفي الكثرة لا ينفي أصله، بل ربما يشعر بوجوده، وبرجوع النفي للقيد؟
وأجيب بأجوبة:
منها: أنه نفي لأصل الظلم وكثرته، باعتبار آحاد من ظلم، كأنه قيل: ظالم لفلان ولفلان وهلم جرًا، فلما جمع هؤلاء عدل إلى ظلام لذلك، أي: لكثرة الكمية فيه.
ومنها: أنه إذا انتفى الظلم الكثير، انتفى الظلم القليل، لأن من يظلم، يظلم للإنتفاع بالظلم فإذا ترك كثيره، مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر، كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركًا.
ومنها: أن ظلامًا للنسب، كعطار، أي: لا ينسب إليه الظلم أصلًا.
ومنها: أن كل صفة له تعالى في أكمل المراتب، فلو كان تعالى ظالمًا، كان ظلامًا، فنفى اللازم، لنفي الملزوم.
ومنها: أن في الظلام لنفي الظالم، ضرورة أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله، فجعل نفي المبالغة كناية عن نفي أصله، انتقالًا من اللازم إلى الملزوم.
ومنها: أن العذاب من العظم بحيث، لولا الإستحقاق، لكان المعذب بمثله ظلامًا بليغ الظلم متفاقمه، فالمراد تنزيهه تعالى، وهو جدير بالمبالغة.
وأيضًا لو عذب تعالى عبيده بدونه استحقاق وسبب، لكان ظلمًا عظيمًا، لصدروه عن العدل الرحيم. كذا في العناية.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذرّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: «إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه». والحديث طويل جليل، معروف عند المحدثين، بالحديث المسلسل بالدمشقيين. اهـ.

.قال ابن عاشور:

واسم الإشارة {ذلك بما قدمت أيديكم}
إلى ما يشاهدونه من العذاب، وجيء بإشارة البعيد لتعظيم ما يشاهدونه من الأهوال.
والجملة مستأنفة لقصد التنكيل والتشفّي.
والباء للسببية، وهي، مع المجرور، خبر عن اسم الإشارة.
وما في قوله: {بما قدمت أيديكم} موصولة، ومعنى {قدمت أيديكم} أسلفته من الأعمال فيما مضى، أي من الشرك وفروعه من الفواحش.
وذكر الأيدي استعارة مكنية بتشبيه الأعمال التي اقترفوها، وهي ما صدقُ {ما قدمت} بما يجتنيه المجتني من الثمر، أو يقبضه البائع من الأثمان، تشبيه المعقول بالمحسوس، وذكر رديف المشبه وهو الأيدي التي هي آلة الاكتساب، أي: بما قدّمته أيديكم لكم.
وقوله: {وأن الله ليس بظالم للعبيد} عطف على {ما قدمت أيديكم} والتقدير: وبأنّ الله ليس بظلام للعبيد، وهذا علّة ثانية لإيقاع تلك العقوبة عليهم، فالعلة الأولى، المفادة من باء السببية تعليل لإيقاع العقاب.
والعلّة الثانية، المفادة من العطف على الباء ومجرورها، تعليل لصفة العذاب؛ أي هو عذاب معادل لأعمالهم، فمورد العلّتين شيء واحد لكن باختلاف الاعتبار.
ونفي الظلم عن الله تعالى كناية عن عدله، وأنّ الجزاء الأليم كَانَ كِفاء للعمل المجازَى عنه دون إفراط.
وجعل صاحب الكشاف التعليلين لشيء واحد، وهو ذلك العذاب، فجعلهما سببين لكفرهم ومعاصيهم، وأنّ التعذيب من العَدل مثل الإثابة، وهو بعيد، لأنّ ترك الله المؤاخذة على الاعتداء على حقوقه إذا شاء ذلك، ليس بظلم، والموضوع هو العقاب على الإشراك والفواحش، وأمّا الاعتداء على حقوق الناس فترك المؤاخذة به على تسليم أنّه ليس بعدل، وقد يعوض المعتدى عليه بترضية من الله، فلذلك كان ما في الكشاف غير خال عن تعسف حمله عليه الإسراع لنصرة مذهب الاعتزال من استحالة العفو عن العصاة، لأنّه مناف للعدل أو للحكمة.
ونفي ظَلاَّم بصيغة المبالغة لا يفيد إثبات ظلم غير قوي؛ لأنّ الصيغ لا مفاهيم لها، وجرت عادة العلماء أن يجيبوا بأنّ المبالغة منصرفة إلى النفي كما جاء ذلك كثيرًا في مثل هذا، ويزاد هنا الجواب باحتمال أنّ الكثرة باعتبار تعلّق الظلم المنفي، لو قدر ثبوته، بالعبيد الكثيرين، فعبّر بالمبالغة عن كثرة إعداد الظلم باعتبار تعدّد أفراد معموله.
والتعريف باللام في {العبيد} عوض عن المضاف إليه، أي: لعبيدِهِ كقوله: {فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 41] ويجوز أن يكون {العبيد} أطلق على ما يرادف الناس كما أطلق العباد في قوله تعالى: {يا حسرة على العباد} في سورة [يس: 30]. اهـ.